
رئيس «دولة المنشدين»: حوار خاص مع الشيخ «ياسين التهامي »
حوار : فاطمة الزهراء
يطلقون عليه رئيس “دولة المنشدين”، وحامل لواء الإنشاد الدينى فى مصر وخارجها، يأتي الآلاف إلى حفلاته كي “يهيموا عشقًا” فى حالة الوجد وكلمات المديح وألحانه، ويتوحدون معه في ليالي الذكر والعشق الإلهي.
إنه الشيخ “ياسين حسنين محمد”، الشهير بـ”ياسين التهامي”، ابن قرية “الحواتكة”، التابعة لمركزمنفلوط بأسيوط،، وسلطان وعميد المنشدين.
الشيخ ياسين التهامي جعل الجميع يرددون الأشعار الصوفية وغيرها من عيون الشعر الصوفى، بعفوية وبفصاحة لا تنم عنها بساطتهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية، بل إن بعضهم يكاد يحفظ قصائد بأكملها لأقطاب المتصوفة، من كثرة ما رددها وراء الشيخ ياسين فى الموالد والحفلات.
حدثنا عن نشأتك وأسرتك..وكيف كان تأثيرها عليك؟
الحمد لله ولدت في قرية الحواتكة مركز منفلوط محافظة أسيوط، في بيت صوفي، يسوده التدين وذكر الله، وتقام فيه الحضرة والذكر باستمرار خاصة في المناسبات الدينية، وبالطبع كان لهذه الأجواء تأثير عميق في شخصيتي، وقد أصر والدي على أن التحق بالتعليم الأزهري، فالأزهر له مكانة كبيرة في نفوسنا جميعا، ولم تشغلنى الدراسة عن قراءة الشعر الصوفي، وبدأت في الإنشاد في مولد سيدنا رسول الله، وانتماء أبي للصوفية كان سبباً لاتجاهي إلى الإنشاد؛ لأن محبيه كانوا يأتون إليه في المواسم الدينية ويقيمون الليالي ويحبونها، وفي إحدى السنوات أنشدت مع المنشدين، ثم بدأت بعدها في”طريق الله”.
– لماذا اتجهت إلى الإنشاد الديني وما الذي أغراك بإنشاد أشعار المتصوفة؟
نشأت حافظا لكتاب الله والعلم والفقه، ومداوماً على قراءة الشعر القديم؛ فالشعر ديوان العرب وعنوان الأدب وركن من أركان الحقيقة ودعامة من دعائم الحكمة، ومن هنا اكتشفت ما بأحوال أسيادنا العظام من جمال وطرب، لذا أنشدت قصائد سيدنا الإمام الحلاج، وسيدنا الإمام ابن عربي، وسيدنا الإمام أبو مدين الغوث، وسيدتنا رابعة العدوية، ووجدت أن أشعارهم تزين معانيها ألفاظها، وألفاظها زائنات معانيها كما قال الإمام الكميت.
– من هم المشايخ والمنشدين الذين تأثرت بهم؟
كل من استفدت منهم بكلمة أعتبرهم شيوخا لي، مثل الشيخ أحمد التوني الذي كان له باع طويل في الإنشاد الديني، وكذلك الشيخ مرزوق والشيخ القبيصي، وكلهم مشايخ أفاضل.
ماهي أحب الأماكن التي تنشد فيها إلى قلبك وما هي أكثر الأوقات التى تأتيك فيها التجليات؟
أكثر الأماكن التي أرتاح فيها هي على عتبات أسيادنا وكل وقت بوقته، ومن الممكن أن تقول إن كل الحالات تجليات حسبما يريد الله ولو كان الأمر بيدي لكنت في كل الأحوال بحالة واحدة، أنا “الود ودى” أكون دائما في أحسن حالاتى لكني أيضاً راض بكل التجليات التي يفتح الله بها علي، وأفضل الأوقات التي تشبع روحي أثناء الإنشاد هي عندما أحس أن الله يكرمنا ويعطينا لحظة صدق مع النفس واتحاد مع وجدان السامعين، وانغماس معهم في حالة روحية واحدة، وهذه الحالة أيضاً لا أملكها ولا أقدر على أن أستدعيها وقتما أريد لأن الله هو العاطي، نحن مجرد متسولين على بابه، وفي بعض الأوقات ينعم علينا المولى عز وجل ويدخلنا إلى روح النص الذي ننشده، وروح النص تعني ما وراء الكلام الذى يقوله الشاعر، وهي لحظة امتزاج القلب مع العقل في حالة صفاء وصدق، وأنا أعتبر حالة الإنشاد طريقة للوصل ونحن ندعو الله قبل أى إنشاد أن يمنحنا الصدق والقبول والعمل بما نعي ونقول، وهذا الدعاء مما فتح الله علي به، كما أردد دائماً هذا القول: “اللهم هبنا حبك والعمل بكتابك واتباع أنبيائك وحب آل بيت نبيك وطاعة أولي أمرك وحسن خاتمتك”.
هل هناك فرق بين الابتهال والإنشاد؟
الابتهال الديني من يعرفه المصريون منذ آلاف السنين، حيث كان موجودا منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهناك فرق بين الابتهال والإنشاد، فالابتهال مدح في الذات الإلهية وتضرع إلى الله سبحانه وتعالى ويكون المبتهل وحده دون مصاحبة أشخاص أو آلة موسيقية، بينما الإنشاد الديني يكون مصحوبا بآلات موسيقية، وكلاهما يعد موهبة من الله تعالى
لماذا يلاحظ مستمعيك أنك في الموالد والليالي وبقرب آل البيت عليهم رضوان الله تكون فى حالة نشوة ووجد أكثر من الحفلات والمسارح؟
أنا لا أتعمد التغيير من طبيعة أدائي في الأماكن التي أنشد فيها، سواء في الأوبرا أو في أوروبا أو في الموالد، لكني استمد قوة إنشادى من الناس، وفى حضور أسيادنا من آل البيت يصبح الجميع وكأنهم روح واحدة، وأنشد فيها بشيء من الهيام والشجن ولها روحانية خاصة، حيث يكون هناك انسجام بين القائل والمتلقي، وأجد هذا أكثر بين مريدي الموالد.
ماهي أحب الشهور التي تشعر فيها بحالة خاصة أثناء الإنشاد؟
كل شهور العام فيها خير وبركة, وفيها أجد التوفيق والسداد من الله – سبحانه وتعالى -, ولكن يبقى شهر ربيع الأول له روحانية خاصة ومكانة عالية في نفوس المسلمين جميعا, وندرك جيدا ما يجود به الله علينا في هذا الشهر من الفتوحات ببركة شهر مولد سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم
من هو المقرئ الأقرب إلى قلب شيخنا؟
كل مشايخنا من قراء القرآن الكريم على العين وفوق الرأس، وأولهم عندي وأقربهم إلى قلبي الشيخ مصطفى إسماعيل فهو شيخ كبير وتشعر حينما يقرأ القرآن بأن جوارحه كلها تنتفض، كما أن طبقات صوته القوية جعلته متمكنا من القراءة السليمة المنضبطة دون أن تشعر أنه يعاني، كما استمع وأتعلم من مشايخنا الكبار أمثال الشيخ محمد رفعت والشيخ علي محمود والشيخ طه الفشني، والشيخ راغب مصطفى غلوش والشيخ محمود خليل الحصرى الذى له فضل تلاوة القرآن وتحفيظه وتجويده واعتبره أول من أنشأ مدرسة قرآنية خالصة فى القراءة، أما عمنا الشيخ محمد صديق المنشاوى رحمة الله عليه والشيخ البنا فهما من قراء الروح، الذين يقرأون بقلبهم قبل لسانهم.
هل تصل إلى حالة الصفاء والوجد أثناء الإنشاد؟
الإنشاد الديني بالنسبة لي هو غذاء لروحي وترويض لنفسي، فأنا لا أجد نفسي إلا في حالة الإنشاد فأسرح في الملكوت أثناء إنشادي، وأعتمد على إحساسي فيه، وأستمد قوة إنشادي من الله ثم من تفاعل الناس
كيف تنقل الجمهور لهذه الحالة الروحية السامية فى حفلاتك؟
هذا ليس من عندي ولكن كله من عند الله هو الذي يكتب القبول ويمنح الخير، كل ما أفعله أني أجتهد في اختياراتي للقصائد التي أنشدها، وأخلص النية لله، وما كان من القلب يصل إلى القلب، وأنا مؤمن بكل كلمة أنشدها لهذا لا أتكلف عند إنشادها، وإنما أقف وأنا في غمرة من هذه القصائد والحالة الإيمانية أغسل روحي بها؛ فانتقل مع الجمهور إلى حالة أخرى نعيشها معا.
من هو الشاعر أو القصيدة الأقرب إلى قلبك وأنت تنشدها؟
لا أنشد سوى الشعر الذي يؤثر في وفي وجداني، وهو ما وجدته في قصائد ابن الفارض والحلاج ومحيي الدين ابن عربي وأبي مدين الغوث، وغيرهم الكثير، واعتبر ما قالوه بمثابة روشتة ربانية لى، أما عن أكثرهم قربا إلى قلبى فهما قصيدنا يا ملهمي” و”السنة الأحوال”.
لماذا يحاول البعض تحريم الإنشاد بسبب الموسيقى؟
هؤلاء نقول لهم هداكم الله فاستخدام الآلات الموسيقية بشكل حسن مستحسن. وهنا أذكر مقولة مشهورة لحجة الإسلام الإمام أبي حامد الغزالي حيث يقول: ” من لم يطربه العود وأوتاره والربيع وأزهاره والقمر وأنواره فهو فاسد المزاج ليس له علاج”.
ما هي الدول التي قمت بزيارتها وإحياء حفلات بها؟
الحمد لله لقد وفقني الله وسافرت الكلمة بمصاحبة الإنشاد الديني إلى معظم بلاد العالم فزرت إنجلترا وإسبانيا وفرنسا ومعظم الدول العربية والأوروبية.
كيف يستقبل الغرب الإنشاد الديني؟
الغرب بشر مثلهم مثلنا يؤثر فيهم كل ماهو حقيقي يمس الروح، وبرغم أنهم لا يفهمون معاني القصائد التي أنشدها إلا أنهم يستشعرون الحالة التي أكون فيها ساعة الإنشاد فهم معجبون بهذا الفن وأدائه النعمي والروحي وإن لم يفهموا القصائد فهما كاملا، إلا أنهم يتفاعلون معى بمشاعرهم الصادقة وأشعر بالسعادة أيضا عندما يجعلون فقرتي آخر فقرات الحفل، على الرغم من وجود فنانين عمالقة معي، وهذا دليل على أن كلماتي تطربهم وينتظرها الجميع.
من وجهة نظرك هل الإنشاد الديني قادر على مواجهة الأفكار المتطرفة؟
الإنشاد الديني يرتقي بالروح الإنسانية، يحللها، يخرجنا من أنفسنا لتحدثها وتهذبها ثم نعيدها وقد صفت وعلت وسمت، والتطرف بعيد عن كل جمال، والفنون جميعا قادرة على مواجهة التطرف، وأنا لا أتصور أن محبا لفن الإنشاد يكون متطرفا والإنشاد هو الجمال ذاته هو الفضاء الذي تذوب فيه الأرواح وتتجاذب فيه القلوب وتتعارف فيه النفوس، فهو سبيل إلى الصفاء والسمو، وهو قادر على مواجهة التطرف بترقيقه القلوب، وتهذيبه الأرواح.
ما رأيك في المنشدين الجدد والفرق الجماعية للإنشاد؟
أتمنى لهم جميعا التوفيق وأظن أن مصر تمتلك كنوزا من المواهب في الإنشاد والابتهالات الدينية وأنا أشجع كل ما هو حقيقي يتعامل مع القلب والروح، وطالما هم يقدمون إنشادا جيدا يرتقي بالإنشاد الديني فهذا شيء يسعدني.