
“الأخلاق.. بين الماضي والحاضر “
بقلم الكاتب : د/ عمر حازم عبدالله
“الأخلاق.. بين الماضي والحاضر ”
في زمنٍ تكسّرت فيه المرايا، ولم تعد تعكس إلا وجوهًا مزيفة، تاهت الأخلاق بين ضجيج المصالح وسُعار الركض خلف المكاسب. لم تعد “المرؤة” كلمة تُقال في المجالس، ولا “الحياء” خلقًا يُمدح به الناس. والأدهى، أن كثيرين باتوا يرون الخُلق ضعفًا، والتسامح هزيمة، والصدق سذاجة. لكن دعني أُخبرك بشيءٍ قد نسيناه: الأخلاق ليست زينة نرتديها أمام الناس، بل درعًا نحتمي به من أن نصبح مثلهم.
ما الأخلاق إذًا؟
ليست الأخلاق طقوسًا دينية جامدة، ولا دروسًا في كتب الفقه فقط. إنها موقف. نعم، الأخلاق موقف يُتخذ في غياب الرقيب، حين لا يراك أحد، ولا تنتظر من أحد شكرًا ولا جزاءً. هي أن تقول الحقيقة عندما يكذب الجميع، أن تعفو حين تقدر، أن تمد يدك لمن أساء إليك، لا لأنه يستحق، بل لأنك أنت لا تُشبهه.
قال الفيلسوف الإغريقي “سقراط”:
> “الفاضل لا يفعل الخير لأنه مجبر، بل لأنه لا يستطيع أن يكون غير ذلك.”
وهنا يكمن الفرق بين من تخلّق ومن تزيّن. المتخلّق كريمٌ بفطرته، أمينٌ رغم الإغراء، شجاعٌ رغم الخوف. لا يتغير بتغير الظروف، ولا يسقط إذا أُغلق عليه الباب.
الأخلاق لا تُدرّس.. بل تُمارس
لو كانت الأخلاق تُدرّس، لكان أنجح الناس أخلاقيًا هم أصحاب الشهادات. لكنها تُرى في المواقف الصغيرة: كيف تتحدث مع البائع؟ هل ترد على من أساء إليك؟ هل تعتذر عندما تخطئ؟
الأخلاق تُبنى في البيت، في الصمت، في نظرة الأم، في نصيحة الأب، في طريقة معاملة الغريب، وفي كل فعلٍ صغير نمرّ عليه دون انتباه.
الأخلاق لا تتغير بتغير الزمان
“الزمن اتغير” حجة العاجزين، لا الأخلاقيين. الزمن لا يُغيرنا، بل يكشفنا. من كان نقيًا في زمن الطيبين، يظل نقيًا في زمن القسوة. من تربّى على المبادئ، لا يحتاج كاميرا لتذكيره كيف يتصرف.
الأمانة، الصدق، الرحمة، الوفاء.. هذه ليست صيغًا قديمة في قاموس الحياة، بل هي الجذور التي إن قُطعت، سقط الإنسان.
وفي الختام :
ما نحتاجه اليوم ليس مزيدًا من الوعظ، بل قُدوة. نحتاج رجالًا ونساءً يتحلّون بالأخلاق لا بالكلام عنها. نحتاج من يمشي بين الناس فيسألونه: من ربّاك؟
تذكّر دومًا:
“الأخلاق لا تُكسبك دائمًا ما تريد، لكنها تحفظ لك شيئًا لا يُشترى.. احترامك لنفسك.”